تتجذر كلمة التحرش في عقولنا وأصبحت اشواكًا تنخر تفكيرنا: العيب، الشرف، الفضيحة، التهمة، ماذا سوف يقول الناس، عاهرة، عار ، عبئ، إبنة فلان.
التحرش الجنسي جريمة تنهش المجتمع، ورصاصة تخترق جسد فتاة ولا تخرج منها تنسنزف منها الامها وتضعها في دوامة الخوف والعجز ويبقى تأثيرها لمدى طويل وربما لا تمحى صفحات الاهانة أو الابتزاز والتهديد من المتحرش من ذاكرتها الذي وجد لنفسه متعة وحشية بفتك انيابه بجسد انثى.
التحرش في المجتمع الشرقي غالبًا ما يتم فهم التحرش الجنسي بشكل متخلف وخاطئ وعلى وقت طويل كان يُعد من المحرمات التي لا يتوجب علينا التحدث عنها. والاسف الشديد في مجتمعاتنا العربية تحمي الجلادين وتُعاقب الضحايا لا تقتصر معاناة الفتيات والنساء على تعرضهن للتحرش الجنسي بل تُحفر على اجسادهن تحمل المسؤولية التحرش والاعتداء الذي تعرضن له وما زلن يتعرضن له.
لباس المرأة هو الذي أجبر المتحرش على التحرش بها. يندفع الكثيرون بين التحرش الجنسي والاغتصاب ولباس المرأة مبررين هذه الجرائم الوحشية بنوعية اللباس التي ترتديه الضحية قبل وقوع التحرش واثناؤه وبهذا المبرر تصبح الضحية هي السبب هي المجرمة لانها فتنت الرجل بملابسها واجبرته على ارتكاب وحشيته، وايضًا يبرر التحرش بوجود المرأة في الشارع في المجتمعات العربية.
التأثير النفسي للتحرش
لا ينتهي تأثير الصدمة بعد انقضاء حادثة التحرش، ولكن قد تعيش الفتاة في حالة من الصدمة المتجددة، عندما يتم استرجاع شريط الذكريات والاحداث المتعلقة بتلك الحادثة، أو عند توافر المثيرات النفسية التي تجعلها تمر بنفس المشاعر التي عاشتها في تلك التجربة، حيث يعد التحرش الجنسي من أبرز الصدمات النفسية العنيفة التي تعاني منها الكثير من السيدات حول العالم.
وأبلغت امرأة من بين كل 10 نساء في الاتحاد الأوروبي عن تعرضهن للتحرش عبر الإنترنت منذ سن 15 عام، كما أشارت في دراسة ضمت بلدان متعددة من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى أن ما بين 40 و 60 بالمائة من النساء تعرضن للتحرش الجنسي في الشوارع، وفقًا للتحديث الأخير لمنظمة الأمم المتحدة للمرأة في يونيو 2019.
مراحل التأثير النفسي للتحرش
توضح رجب أن تجربة التحرش الجنسي التي قد تتعرض لها السيدات والفتيات في الشوارع، ووسائل المواصلات، وأماكن العمل، أو الجامعات وغيرها، تظل من أسوأ الصدمات النفسية التي تمر عليهن خلال حياتهن، إذ تتعرضن لعدد من المراحل في التعامل مع الواقعة، وتختلف ردة فعل كل منهن إزاء ذلك العنف، وتتمثل تلك المراحل فيما يلي:
- مرحلة الصدمة
حدوث فعل التحرش سواء كان لفظيًا أو جسديًا أو بأي أسلوب آخر، يصيب الفتاة بالصدمة، نتيجة عدم توقعها لذلك الفعل، وتختبر عدد من المشاعر بشكل سريع ومفاجئ ومتعاقب، حيث يغلب عليها الشعور بالخوف والرعب والتوتر والعجز، فضلًاعن الشعور بالظلم.
وبعض الفتيات اللائتي يستطعن مواجهة فعل التحرش، أو التعامل مع المعتدي، قد لا تمر بالمراحل التالية، حيث أثبتت الدراسات أن السيدات والفتيات اللاتي يستطعن الدفاع عن أنفسهن ضد المتحرش، وأخذ أي إجراء ضد المعتدي، يشعرن بوطأة أقل من غيرهن ممن لا تقدرن على المواجهة.
وأشارت منظمة الأمم المتحدة للمرأة أن حوالي 80% ممن تتعرض للتحرش الجنسي، لا يفصحن عن الأمر، ولا يستطعن أخذ أي إجراء ضد المعتدي.
- مرحلة اضطراب ما بعد الصدمة
بعدما تختبر المرأة المشاعر المختلطة والمتعاقبة بعد وقوع صدمة التحرش، تدخل في مرحلة أخرى جديدة تعرف بـ”اضطراب ما بعد الصدمة”، وعندها تشعر الفتاة بالظلم والقهر ولوم الذات، بسبب عدم القدرة على الدفاع عن النفس، أو أخذ أي إجراء ضد المعتدي، وقد تشعر بعدم الثقة في النفس، وتصاب ببعض الأعراض النفسية والبدنية، والتي تتمثل فيما يلي:
التوتر.
اضطرابات النوم.
اضطرابات الشهية.
عقوبة المتحرش.
كما ويترتب على المتحرش عقوبة قانونية نتيجة هذه الجريمة الأخلاقية مقدارها 3 شهور مع غرامه مالية.
الإحصاءات الأولية المتوافرة في العديد من المؤسسات الفلسطينية العاملة في المجال النسوي تشير إلى أن هناك ارتفاعًا ملحوظًا في تزايد حالات التحرش بالنساء العاملات في أماكن العمل، وذلك بسبب استغلال المتحرشين لعدم وجود نصوص قانونية لتجريم المتحرشين.
فما ورد من بيانات كشفت عنها وزارة شؤون المرأة تفيد أن عدد حالات التحرش بالنساء التي سجلت عام 2014 في أماكن العمل لا تكاد تذكر، فقد بلغت ثلاث حالات فقط بحسب ما أفادت به رئيسة وحدة الشكاوى في الوزارة إلهام سامي، مؤكدة أن “هذا الرقم يدل على عدم وجود وعي كافٍ لدى النساء بالإبلاغ عن حالات التحرش بهن، وبسبب تخوف العديد منهن للطرد من أماكن العمل سيما في القطاع الخاص،” وتفيد سامي أن التحفظ عن الشكاوى يؤدي لغياب وجود إحصاءات رسمية لمعرفة الواقع الفعلي لظاهرة التحرش بالنساء، للمساهمة بوضع آليات عمل للقضاء عليها.
وأشارت سامي إلى أن “هناك حالة واحدة فقط عام 2014 قامت خلاله امرأة عاملة في القطاع العام ولأول مرة بتقديم شكوى لدى الوزارة ضد أحد المتحرشين فيها من المدراء، ولكن بسبب عدم وجود قانون عقوبات رادع أصبحت القضية كأن شيئاً لم يكن.”
وأضافت سامي أن غياب تشريع فلسطيني قائم على معالجة قضايا التحرش يجعلها في طيّ الكتمان، كما أن المرأة المتحرَش بها تحتاج إلى أمان وظيفي لتصبح قادرة على تفعيل ظاهرة التحرش، التي تزداد دون رقيب، نتيجة استغلال بعض المدراء لمناصبهم، ما يتطلب مضاعفة الجهود للقضاء عليها، وليس الحدّ منها فقط.
موقف المشرع المصري من التحرش
لم يكن هناك قانون ينص على معاقبة المتحرشين، ولكن بعد زيادة حالات التحرش الجنسي بالفتيات في المناسبات العامة والأعياد، تم وضع قانون للحد من حالة التحرش وينص علي السجن لمدة عام واحد وغرامة 5000 جنية كحد أدني و10000 جنية كحد أقصي، مع إمكانية زيادة العقوبة عندما يكون المتحرش من السلطة الوظيفية أو أكثر من شخص أو يقوم بالتحرش حاملاً سلاح حيث تصل العقوبة إلي السجن لمدة سنتين أو 5 سنوات وغرامة مالية تتراوح بما بين الـ20 ألف والـ50 ألف.
كما تنص المادة 306 مكرر “أ” بقانون العقوبات المصري، على أنه يعاقب المتهم بالحبس لمدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن ثلاثة آلاف جنية، ولا تزيد على خمسة آلاف جنية أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من تعرض للغير في مكان عام أو خاص، بإتيان أمور أو إيحاءات جنسية أو إباحية سواء بالإشارة أو بالقول أو بالفعل وبأي وسيلة من وسائل الاتصالات السلكية واللاسلكية – وفقا لـ”رحيم”.
موقف المشرع الإماراتي من التحرش
يعاقب المتحرش بالحبس لمدة لا تزيد على سنة، وبغرامة لا تزيد على 10 آلاف درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين لكل من تعرّض لأنثى على وجه يخدش حياءها بالقول، أو الفعل في طريق عام أو مكان بعيدًا عن الأعين، ومنع المتحرشين بالأطفال من العمل.
موقف المشرع الجزائري من التحرش
يعاقب المتحرش جنسيا بالحبس ما بين الشهرين و6 أشهر، فضلًا عن الغرامة المالية التي يحددها القاضي وفقًا لوقائع الجريمة.
موقف المشرع العراقي من التحرش
نص القانون العراقي على أن يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على 7 سنوات أو بالحبس لمن اعتدى بالقوة، أو التهديد، أو بالحيلة، أو بأي وجه آخر من أوجه عدم الرضا على عرض شخص ذكرا أوأنثى، والتحرش بالأطفال السجن 10 سنوات.
موقف المشرع السوداني من التحرش
لم ينص القانون بالسودان على قانون يجرّم التحرش الجنسي بشكل واضح، ولكن توقّع العقوبة وفقًا لأحداث الجريمة وتتابعاتها، ففي قضية مماثلة قضت محكمة جنايات الأزهري بالخرطوم بجلد جاني تحرش بممرضة في أحد المستشفيات 40 جلدة، وغرامة مالية قدرها 3 آلاف جنيه، وفي حالة عدم الدفع يعرض للسجن لمدة 3 أشهر.
بقلم: #كيندا_عيسى