عندما يُسأل طفلٌ ذو سبع سنوات “ما هو العنف؟” فإجابته حتمًا ستكون: “من يستخدم السلاح لتحقيق مبتغاه”، ولكن، هل يعني العنف فقط استخدام السلاح؟ لا.
إن العنف لا يتمثَّل فقط في استخدام السلاح، فقد يكون العنف كلاميًّا وجسديًّا ايضاً، فإنَّ الكلمات الجارحة وغير المناسِبة تُسبِّب ضررًا نفسيًا للشخص، بالتالي من الممكن أن تؤدي إلى خسارته. أما حين نتكلّم عن ضرب الاطفال وتعنيف المرأة فإنّنا نقصد العنف الجسدي، لأنه يسبب ضررًا جمًّا لهم إذ من الممكن أن يتم يتشوّه جسد الضحية جرّاءه. من هنا، العنف بشَكلَيه يُسبّب ضررًا للآخرين.
لماذا نضع أنفسنا في المآزق بإرادتنا ونختار عَمدًا طُرقًا غير سلمية؟
غرائز العنف كامنة في نفوس البشر جميعاً، ومع أنها قد لا تظهر على العلن وبشكلها المُباشر، فلا ينقص سوى لحظة تناقض واحدة في المصالح لكي تكشف عن أنيابها، فعند الاختلاف على أمر ما وتركه دون حل، مما يؤدي إلى ازدياده تعقيداً، فإنّه يتحول الى خلاف يتم فيه الإعلان عن نقطة التناقض، ومن ثمّ إلى صدام ما بين الطرفين، هنا تمامًا قد يتم استخدام العنف بوسائله المختلفة.
لكن هل تُرانا نعي أنّه ما لم يكن هناك اختلاف بين الناس فإنّ الحياة ستكون مملة وبلا نكهة مميزة، الأمر الذي سيُعزّز جوعنا وعطشنا للثقافة، لذا، يجب تعلم تقبل الآخر مهما كانت ديانته، قوميته، لغته ولونه، ونسعى إلى تعميق التصالح الاجتماعي كمظلة لإدارة الاختلافات، ففي النهاية كلنا أبناء آدم عليه السلام ، وفي اليوم الموعود سنحاسب وفق ما نفعله وما سنفعله مُستقبلًا، فمَن نحن نعامل الناس وفق شكلها ومظهرها وأمور أُخرى لم تَختَرها؟
هناك دور كبير للمجتمع والبيئة المحيطة في تربية الطفل منذ نعومة أظافره، فإن تعامل الأب مع زوجته بعنف، عدم احترام وقلة تقدير ، وقيامه بالتصغير من شأنها أمام أولاده، واتّباعه للنظام الأبوي، فإنّه ينقُل صورة لابنه عن كَيفية التعامل مع أخته، زوجته في المستقبل وأي أنثى في دائرة حياته، بنفس الطريقة القذرة هذه تحت مسمى السلطة الذكورية أي سيادة وتسلُّط الرجل على المرأة، فالولد سرّ أبيه. إذا لم تقام محاضرات توعية وثقافية لأبناء اليوم والاجيال القادمة فإنَّ الوضع الاجتماعي سيقف على حافة المنحدر، فَقمع المرأة يَجُر المجتمع إلى الهاوية، لأنها مربية الأجيال القادمة، لذلك هي ليست نصف المجتمع فقط إنما كله.
في الكثير من الأحيان ننتقد شخصًا لأنه سمين، طويل او قصير، ذو احتياجات خاصة أو لا، ونضحك عليه ونُضحك الآخرين أيضًا، دون الاكتراث لمشاعرهم وظروفهم. هذه الانتقادات الهادِمة وغير المُبررة تترك جرحًا في داخله، يفقد ثقته بنفسه ويتمنى ان يموت، يندب حظه ويلقي أصابع الاتهام نحو الله على خلقه بهذا الشكل، فهو يكفر بنعمة الله التي أنعمها عليه، وفي نهاية الأمر قد يجد الانتحار حلًّا لمشكلته، مُتسببين بشكل غير مباشر بموته. هل هذا ما نريده؟ لا. هنا يقع دور المجتمع، وخاصّةً دور المدارس في تعليم الطلاب كيفية التعامل مع الآخرين باحترام، وكيفية تقبل الآخرين بدءًا من زملائهم في الصف لا بل ذواتهم. عند سماع المعلم ألفاظًا غير لائقة من طلابه فإنَّ واجبه أن يكون أبًا لا معلمًا فقط في تلك اللحظة، أن يعلّمهم الصواب ويشجّعهم عليه، وأن يعمل على حلّ الخلاف بين طلابّه دون إيذاء مشاعر أحدهم، فنحن نواجه زمنًا قلّ به الاحترام من وإلى الكبير والصغير.
إن عدد من قتل العرب على أيدي عرب آخرين يفوق عدد من قتل العرب على أيدي أعدائهم، إنّ الأديان برغم كل اختلافاتها لم تنص يوما على العنف والقتل، ولهذا السبب فلنقرأ الكتب المقدسة ونُعلمها لأبنائنا فهم بحاجة لها أكثر من حاجتهم للرياضيات والفيزياء، ولنزرع الحب والاحترام في قلوبنا وقلوب أطفالنا، فالله دائمًا يدعو للرحمة والتراحم والمودة.
بيان دراوشة.