مضمون الكتاب يتلخّص في مقدّمة بروفيسور جميل خضر:
“مقدّمة بقلم بروفيسور جميل خضر رواية “كريشيندو: حين تنطفئ النّجوم”؛ هي باكورة أعمال الروائيّة الشّابّة شهد دكناش ابنة السّبعة عشر ربيعًا، والرّواية تجريبيّة حداثيّة ترسم بها، بل تعزف من خلالها، المؤلّفة قصّة حبّ تراجيديّة ضائعة بين “أنصاف البشر” من المشرّدين واللّاجئين في العالم العربيّ. تلاشت وكبتت قصّة الحبّ المأساويّة هذه نتيجة اضطرابات نفسيّة تعاني منها الشّخصيّات إثر صدمة “حفلة العذاب الجهنّميّة” الّتي يدوي صوتها الصّاخب في العالم العربي، ويرتدّ صداها في جدران سجونه، ومخيّمات لاجئيه، وساحات معاركه، وجغرافيّة مهاجريه.
فعلى مستوى المضمون، يسجّل هذا العمل بحسّ انطباعيّ فنّيّ-موسيقيّ مرهف، رحلة البحث عن الذّات المتمرّدة الضّائعة بين ركام الماضي والميول العبثيّة والنّرجسيّة المجتمعيّة، ومخاطر العولمة المتمثّلة بمواقع التّواصل الاجتماعيّ؛ ففي الجزء الأوّل من الرواية، تبرز المؤلّفة العوامل والتّناقضات السّياسيّة المشتركة، الّتي يعيشها الشّباب في أرجاء العالم العربيّ والمهجر، من خلال ربط وتشبيك هذه التّجارب “النّصفيّة” المختلفة، ووضعها ضمن إطار قطريّ موحّد يبيّن عمق المأساة وسخريّتها.
فالمأساة السّوريّة بالذّات، تتشابك وتتقاطع مع النّكبة الفلسطينيّة المستمرّة، بحيث تتحوّل المأساة السّوريّة إلى تراجيديّة كنفانيّة بامتياز، ويصبح اللّاجئ السّوريّ قرينًا وتوأمًا للفلسطينيّ المتشرّد. وبالرّغم من ذلك، يتمّ توظيف المأساة السّوريّة أحيانًا كإزاحة وإحلال للواقع الفلسطينيّ؛ فالأبجديّة، كما تقول المؤلّفة، تعجز عن النّطق بالواقع أمام آليات الاستبداد السّياسيّ، وانتهاك الحرّيّات محليًّا وإقليميًّا.
إلّا أنّ التّلاحم بين هؤلاء “المعذّبين في الأرض” لا يتحقّق في الجزء الثّاني من الرّواية، وذلك لأسباب عاطفيّة مثاليّة تتنافى مع نضوج الشّخصيّات السّياسيّ المفترض، والواقع المستحيل الّذي يرسمه النّصّ، وكأنّ هيمنة مواقع التّواصل الاجتماعيّ على العلاقات الاجتماعيّة، تحجب الوعي السّياسيّ كليًّا. وبالرّغم من ذلك، يصرّ النّصّ على استلهام البعد الإنسانيّ للذّات العربيّة الّذي يرفض المسلّمات، ويعرّي الواقع، ويدعو إلى التّمسّك بقيم التّعدديّة واحترام الآخر، رافضًا بذلك خطابات الانعزال والانغلاق والتّعصّب والتّطرّف والرّكود السّياسيّ.
وأمّا على مستوى الشّكل، فاستعانت المؤلّفة الشّابّة لتطوير حبكتها الانطباعيّة، باستراتيجيّات سرديّة حديثة، تتناوب فيها أصوات الشّخصيّات الرّئيسة؛ لتبيّن عمق المأساة الشّبابيّة في أرجاء العالم العربيّ المختلفة ومهاجره. وتتقاطع هذه الأصوات والتّجارب الغامضة خلال النّصّ إلى أن تتّحد الذّات والآخر، في مساحات مواقع التّواصل الاجتماعيّ الافتراضيّة؛ لتكون مخيالًا نفسيًّا تذوب به الفروق وتتلاشى. ويبقى لهذه الأصوات ميزة افتراضيّة مجرّدة، تعكس العبثيّة والضّياع الّتي تعيشها الذّات العربيّة، نتيجة لضرورة الهروب والخلاص من هذا الواقع المأساويّ.
كما ووظّفت الكاتبة الموسيقا والفنّ والأدب والفلسفة، كعنصر أساس في بنية الرّواية السّرديّة، مضيفة طابعًا موسوعيًّا-إنسايكلوبيديًّا على النّصّ؛ ممّا يجعل هذا النّصّ ليس رواية فحسب، بل نوع أدبيّ مهجّن ومركّب، مثل النّصوص التّجريبيّة الحداثيّة الأخرى. فالموسيقا والفنّ والأدب والفلسفة، ليست فقط كناية عن الإحساس الثّوريّ المفقود القادر على إنقاذ العالم، بل إنّها سرّ الحياة أيضًا ومصدر نشوتها، بالإضافة إلى قدرتها على التّحكّم “بحياة الشّخصيّات وفقًا لأهوائها” في فضاءات النّصّ.
ويبرز هذا الطّابع الإنسايكلوبيديّ للنّصّ بوضوح، في منظومة الإشارات المكثّفة لروائع الفنّ والأدب العالميّ، الّتي تمزجها المؤلّفة بجدارة؛ لتمثيل ووصف التّجارب العربيّة وباللّغتين العربيّة والإنجليزيّة أحيانًا. وبالرّغم من مساحة الفضاء السّرديّ الإضافيّ الّذي تشغله هذه الإشارات، إلّا أنّها تعكس الاطّلاع الواسع، وعمق القراءة لدى جيل مواقع التّواصل الاجتماعيّ الجديد، الّذي يتخطّى الحدود الجغرافيّة والسّياسيّة والثقافيّة في نظام العولمة. ويبقى التّناقض بين توظيف هذه الثّقافة العالميّة، ونقد الإمبرياليّة الثّقافيّة الغربيّة وهيمنتها، مستعصيًا للحلّ الدّيالكتيكيّ الجدليّ على المستوى البنيويّ للعمل.
رغم كلّ هذه الصعاب والتّحدّيات، إلَا أنّ صوت المؤلّفة الشّابّة، يحثّنا على استرداد طفولتنا، واسترجاعها ببراءتها ومثاليّتها، حتّى يتحوّل الحبّ الافتراضيّ المستحيل، إلى حبّ يمكن تحقيقه؛ ممّا يمكن له أن يغيّر إحداثيّات الواقع العربيّ المأساويّ.
أ.د. جميل خضر
جامعة بيت لحم “
There are no reviews yet.
المزيد من النتائج
Be the first to review “كريشندو – حين تنطفئ النجوم – شهد دكناش”
You must be logged in to post a review.