قهوة سادة – سمر قاسم

يقدّم كتاب “قهوة سادة” للكاتبة سمر قاسم تجربة إنسانية وأدبية متكاملة تزاوج بين التأمل الذاتي والبوح العاطفي، وبين النقد الاجتماعي والتحليل النفسي للعلاقات في زمنٍ فقد الكثير من صدقه ودفئه.
الكتاب عبارة عن مجموعة من النصوص الحرة التي تتنوع بين السرد الشخصي، والخواطر الوجدانية، والمونولوغ الداخلي، لكنها جميعًا تشترك في نغمة واحدة: الصدق العاري من الزخرف، والبحث عن دفءٍ حقيقي في عالم بارد.
على مستوى البناء الفني، لا يسعى الكتاب إلى الحبكة أو التسلسل القصصي، بل إلى خلق فضاء شعوري واحد تتناثر فيه النصوص كأكواب قهوة سادة — كل فنجانٍ يحمل طعمًا مختلفًا من الوجع والصدق والوعي.

احيانا يتحول النص إلى مساحة شعرية خالصة تمتزج فيها اللغة الرقيقة بالصورة البصرية الساحرة، حيث تستحضر الكاتبة البحر ويافا والمرسى كرموزٍ للحب والوطن والحنين، وتنسج بينها وبين الألم الشخصي حوارًا صادقًا يذكّر بأدب الحنين الفلسطيني والعربي الكلاسيكي، لكنه يحمل روحًا معاصرة وعاطفة أنثوية ناضجة.
تستخدم سمر قاسم في كتابها لغةً أدبية رشيقة تميل إلى السرد التأملي الحر، وتمزج بين الفصحى المصفاة ولمحاتٍ محكية تضيف دفئًا وصدقًا. أسلوبها يتميّز بجمل طويلة تتدفق كأنها تيار وعي، ما يمنح القارئ إحساسًا بالحميمية والمصارحة المباشرة.
رموزها بسيطة ولكنها عميقة: فنجان القهوة، الهاتف، البحر، المرسى، الخيوط المتشابكة للحب والخذلان — جميعها عناصر تعبّر عن جوهر التجربة الإنسانية في عالمٍ يزداد اغترابًا.

في مجمله، يُعد «قهوة سادة» عملًا أدبيًا يعبّر عن جيلٍ كامل من النساء والرجال الذين يعيشون بين العالم الواقعي والعالم الرقمي، بين الحنين إلى الدفء القديم والخوف من الوحدة الحديثة.

إنه كتاب عن الإنسان في هشاشته وحنينه، وعن الصدق كقيمةٍ جماليةٍ .
نصوص سمر قاسم تذكّرنا بأن القهوة السادة، مثل الحقيقة، لا تُشرب بسهولة — لكنها تترك أثرها في الذاكرة طويلاً.