إن المجتمع العربي في قعر البئر وكلما حاول التشبث بالحجارة والخروج من ذاك البئر ما تلبث إلا أن تقع مرة أخرى، إن هذه الحال لهذا المجتمع يجعل المرء يدوس عليه ويرمي الحجارة في بعض الأحيان، فيعلو السؤال في الذهن: كيف نمنع العالم من تجاهل هذا المجتمع؟ وكي يُثبت حضور هذا المجتمع علينا معرفة الأسباب لجعله يهوى مرة أخرى إلى قعر البئر حتى يتسنى لنا معرفة كيفية الخروج والوصول إلى القمة.
كل شيء يبدأ من الأسرة والمدرسة فكلاهما يعملان على تربية الولد منذ نعومة أظفاره إلى أن يصير عجوزاً، فمثلا بالأسرة إذ لم يكن هناك احترام متبادل بين أفراد الأسرة جميعها دون استثناء فسيربى الأولاد على عدم الاحترام، فكل ما يتم ترسيخه في ذهن الطفل الصغير سيظل في ذهنه، أما بالنسبة للمدرسة، فإن المعلمين لهم دور كبير في تغيير شخصية الطالب من سيء إلى جيد والعكس، فما نراه في المجتمع العربي أن غالبية المعلمون يُعاملون الطلاب كأنهم عبيداً لهم وليسوا طلاباً، فإن أخطأ الطالب ينعتونه بالفاشل والمشاغب ويحكمون عليه وفق تصرفاته، وبالنسبة للعلامات فإنهم يوجهون أصابع الاتهام على الطالب وليس على أنفسهم بأنهم لا يستطيعون تدبير شؤون الطلاب، وما إن يصل ذلك إلى مسامع الوالدين حينها يشتمونه ويسبون ولا يسمعون وجهة نظره، بحسب رأي الأهم أن المعلم دائماً على صواب ولديهم الحق في فعل أي شيء او قول أي شيء لابنهم الذي لا يتعدى السبع سنوات.
من هنا ننتقل إلى المجتمع، إن المجتمع لا يرحم الضعفاء وعديمي الشخصية الضعيفة، نحن في عصر الحداثة حيث أن كل شيء يتطور ويتغير في كل يوم فمن الطبيعي أن يتم تعنيف الضعيف وإلقاء الشتائم عليه لأن في المدرسة تتم معاملتهم كذلك، بالإضافة لتصنيف مستويات بين الطلاب، عند إلقاء الشتائم على هذا الشاب البالغ ذو العشرين سنةً يستخدم العنف الجسدي لضمان عرضه وشرفه، فما غرس في ذهنه أن الشرف والعرض لا يجب السكوت عليهم وواجب الحفاظ عليهم، وبذلك تحصل سلسلة جرائم بسبب شتيمة تعلمها صاحبها من مواقع التواصل الإجتماعي، فإن الأشخاص الذين يدعون على أنفسهم مؤثرين و قدوة حسنة للجيل الصاعد يعملون على جرهم إلى قعر البئر، ويركزون جل تفكيرهم على الأمور التافهة وعديمة القيمة التي تبعدهم عن الدين، فمنهم من يركض للمال والجاه وللباس العاري، وآخرون يطمحون للشهرة بتعليم الفساد وكيفية المزاح بطرق غير حضارية التي من الممكن أن لا تناسب اقربائه واصدقائه وتنتشر العداوة بينهم، وبهذا تم شق المجتمع إلى عدة أشلاء.
أما عن العقل وكيفية تدبير الأمور فهنا يعتمد الشخص على عقائده ومبادئه، فإن كان الإنسان سليم العقل فإن طريقه تفكيره ذاتها ستحل معظم مشاكله، فالعقل السليم يفكر بالحلول السلمية وايضاً المنطقية التي تظهره كأنه حكيم تجاوز الستون من عمره وهو لا يزال في ريعان شبابه، ولكن إن لم يكن الإنسان سليم العقل سيقوم بحل مشاكله بالطرق غير السلمية ويستخدم التهديد وإن لم ينجح يلجأ إلى إبراز أنيابه وعضلاته فيبدأ بإستعمال العنف مع عدوه وكل سلالته حتى يتخلص منهم، البعض يخاف ذلك النوع ولكن البعض الآخر يشفق عليهم فهم مازالوا يعتقدون أن القوة تحل جميع المشكلات وعواقبها لا تهمهم فهم يخرجون أصابعهم بسرعة منها ولكن ما لا يعرفونه اليوم أصبح ذلك في متناول الصعوبة وأن حياتهم أصبحت على المحك. فما نفع القوة إذن؟.
إحدى الحلول للخروج من ذلك البئر هي تغذية العقل بالأمور الإيجابية التي تعمل على تحسين أداء التفكير لدى الإنسان العربي وذلك من خلال إطلاعه على أكبر كم من المعلومات المهمة والمفيدة وأيضاً العديد من الكتب التي لا بد وأن تحتوي على قيم ومبادئ نفتقر لها في هذا المجتمع، وذلك لا يقتصر فقط على صغيري السن وأيضاً على البالغين والكهلة فكلهم جزءاً لا يتجزأ من هذا المجتمع وكلهم يحتاجون لتلك التغذية التي ستنتقل على ألسنتهم منهم إلى أولادهم ثم أحفادهم.
أضف إلى ذلك، يجب القضاء على تلك الموضة المساهمة في نشر الفساد بين أبناء هذا المجتمع، فمن نراهم على مواقع التواصل الاجتماعي أولئك المؤثرين يجب عدم إعطاء ذرة اهتمام لهم، فكلما تم إعطاء الإهتمام لهم كلما تابعوا ما يفعلونه ونشر الفساد، فمن الواجب عدم الاكتراث لهم، فكلما نبح الكلب وتم تجاهله فيسكت لوحده.
أما بالنسبة للمعلم والمدرسة فيجب تأهيل المعلمين، فليس هنالك طلاب فاشلين او سيئين إنما هنالك معلمين سيئين وليسوا مؤهلين، فقبل أن يكون المعلم معلماً واجب عليه أن يكون صديقاً وأباً للطالب، متفهماً لظروف الطالب، رحيم وطيب القلب وحسن الخلق، يقسى على الطلاب من أجل مصلحتهم وفي النهاية يبين لهم أن تلك القسوة قد كانت لمنفعته، وبذلك هو يصبح أقرب من والديهم لهم وهكذا يتم تفاعل الطالب مع المعلم ومحبته للدراسة وتتحسن درجاته في المدرسة ناهيك عن الإحترام لذلك المعلم وتقديره.
نهاية الحديث، لا يجب السكوت عن هذا الفساد والبدء بالحلول ومعالجة المشاكل من جذورها وعدم تضييع الوقت، فكلما تغاضينا عن تلك الأمور كلما ضللنا طريق الصواب الأمر الذي يطيل زمن إقامتنا في قعر البئر.
بقلم: #بيان_دراوشة